من اقوالهم ومفهومهم لناتغيير اسم دولة ((جنوب السودان )) هو أولى الاولويات!! حينما كنا طلابا في المدارس، كنا مولعين بضرورة أن تكون لنا دولة في حدود المديريات الجنوبية المعروفة آنذاك في أعالي النيل وبحر الغزال والاستوائية، وفي سبيل ذلك كنا نعقد حلقات نقاش نتبارى في ايجاد التسمية المناسبة للدولة المزعومة، كان البعض منا يسميها جمهورية النيل أو كوش وآخرون بجمهورية الأماتونج أو الأنيوي..الخ!!.
كان بعضنا حريص كل الحرص بأن لا يختار اسم ذو دلالة جهوية أو قبلية، مما قد يؤثر سلباً على النسيج الاجتماعي لأبناء المديريات الجنوبية من الذين كانوا يحاربهم الجلابة كثيراً من أجل طمس هويتهم وتفريق كلمتهم وتمزيق وحدتهم عن طريق استخدام النعرات القبلية وعبارات مثل القبائل النيلية، اللو، وقبائل الباتو مثلاً. إن ما جذبني إلى هذه الذكريات هو حديث السيد نائب رئيس الجمهورية الدكتور/ رياك مشار بمناسبة افتتاح ورشة عمل البناء الدستوري في ظل الديمقراطية بفندق ريجنسي يوم الخميس الموافق 27/6/2013م، والذي تناول فيه ضرورة سؤال المواطنين عن مدى رضاهم باسم الدولة الحالية (جنوب السودان). وأضاف السيد نائب رئيس الجمهورية الذي كان يوجه حديثه إلى أعضاء المفوضية القومية للمراجعة الدستورية، إن هذا الموضوع هو أحد المواضيع التي يجب على المفوضية تناولها عن طريق إجراء مشاورات مع كافة المواطنين لمعرفة مدى قبولهم بهذا الاسم الذي أطلق على الدولة الجديدة.
الدكتور رياك مشار المعروف بذكاءه الحاد، يبدو أنه اكتشف أخيراً أن دولتنا الجديدة قد أطلق عليها اسم وهمي ليس له معنى في القاموس، سوى أنه مجرد (نعت)، وربما كان هذا هو السر وراء الاساءة التي وجهها لنا الارهابي اسماعيل هنية رئيس وزراء فلسطين- قطاع غزة، حينما أطلق علي دولتنا لفظ دولة لقيطة.
كانت هناك عبارة مشهورة قالها الدكتور حسن الترابي، حينما كان هو النجم الأول، في قمة الاتجاه الاسلامي في أيامه الذهبية في سبعينيات القرن الماضي. قال الترابي حينها (أن الأخوة الجنوبيون هم جماعة ليس لهم ثقافة معينة، وبالتالي يجب علينا ملئها بالثقافة العربية والاسلامية على جناح السرعة) إنتهى حديث الترابي.
أن اختيار قادتنا كلمة جنوب السودان لتكون هي الاسم الرسمي لدولتنا الوليدة ربما كان السبب المباشر الذي دعا الارهابي اسماعيل هنية ليتجرأ ويطلق على دولتنا اسم دولة لقيطة.
إن اسم الدولة الحالية (جنوب السودان) هو اسم فضفاض لا معنى له سوى الدلالة على أنه نعت أطلق على منطقة تقع جغرافياً جنوب المنطقة الأصلية التي هي السودان، وقد يسأل سائل ما معنى السودان؟ سوف نأتي إلى هذا لاحقاً.
حينما فتح القائد العربي عبدالله بن أبي السرح بلاد النوبة في القرن السادس عشر، وانهارت ممالك النوبة جميعاً في كل من دنقلا وقري وسوبا وتم على انقاضها تأسيس دولة الفونج فيما بعد بقيادة عبد الله جماع وعمارة دنقس، لم يكن اسم السودان قد أطلق على بلاد النوبة بعد، بل أن دولة الفونج نفسها حينما كانت في قمة الازدهار لم تستخدم كلمة السودان اسماً لدولتها تلك.
إسم السودان يو كلمة اجتهد في استنساخها عدد من العلماء المسلمين والعرب المستعمرين، فبرعوا في فنون اللغة العربية وآدابها وجعلوا من اللفظ العربي لفعل سيد يسود سودان على وزن (فعل يفعل فعال) بدعة ووهم على اعتبار أن اللغة العربية والدين الاسلامي هما الذين سوف (سيد يسود سودان) أي أنهما سوف يسودان بلاد النوبة عنوة.
هكذا جاء استخدام كلمة السودان لفظاً واسماً جديداً أطلق بدعة وهماً بمعنى (سيد يسود سودان) master، ولكن يتم إيهام الناس بدعة على أن كلمة السودان تعني اللون الأسود او الإنسان الأسود، وهذا مجرد بدعة ووهم.
إن ما قاله الارهابي اسماعيل هنية، بالضبط، كان هو ما يقصده الترابي، أي أن يتم تعريبنا واسلمتنا، ومن ثم نكون مجرد العوبة في يد الآخرين ويتم احتقارنا وإزلانا بشتى السبل، حتى نكون شعب ودولة سهلة الاختراق.
من هذا السرد نلاحظ أن معنى اسم السودان، الذي أطلق على دولة السودان، والذي تبنيناه على أساس أننا نقع في جنوبه الجغرافي، فاطلقنا علي دولتنا الوليدة اسم (جنوب السودان) ما هو إلا اسم المستعمر، والمقصود به هو (أن اللغة العربية والدين الاسلامي هما اللذان سيسودان، وهذا حسب ما يفهم من معني الصياغ ومن الميزان الصرفي في قواعد اللغة العربية عند جرد فعل (سيد يسود سودان) على وزن فعل يفعل فعال).
إن الدكتور الترابي وجماعته الاسلامية في المؤتمر الوطني والشعبي، والذين سبق أن انزعجوا بشدة من انفصال الجنوب، سوف ينزعجوا بشدة هذه المرة وهم يرون أهل الجنوب يبحثون عن اسم جديد لدولتهم التي يليق بهم الشئ الذي يبدد آمالهم وخططهم التي ما فتئ أن وضعوا لها عدد من المجلدات من أجل انبطاح وإخضاع أهل الجنوب إلى الثقافة العربية والاسلامية.
ولكن هيهات، إن جماعة الاسلام السياسي من صقور المؤتمر الوطني سوف يستمرون في البحث عن وسائل أخرى كي ينفك أهل الجنوب عن هدذا العمل النبيل.
حسناً فعل السيد نائب رئيس الجمهورية وهو يوجه المفوضية القومية للمراجعة الدستورية بضرورة العمل على إبدا النصح والمشورة مع مواطني هذا البلد من أجل معرفة مدى ملائمة وقبول اسم الدولة الحالي لهم.
نعم، إن الدول العريقة عادة ما تستمد أسماءها من جذورها أو من أصلها الانساني، بينما دول أخرى تسمي نفسها بأسماء قادتها الأفزاز كما هو الحال في أمريكا أو دولة كينيا علي سبيل المثال.
نعم . نعم وألف نعم، إن تغيير اسم دولتنا الجديدة هو أولى الاولويات لهذا البلد. مبروك للقائد الدكتور رياك مشار على هذا الرأي الصائب، ومرحباً بالاسم الجديد لدولتنا الوليدة.
بول اكوك اكوك
نقلاً عن صحيفة المصير الجنوبية