تأملات في الهوية السودانية

1
الطيب صالح وحينما سؤل عن رواية موسم الهجرة إلى الشمال وأنها تجسيد للصراع مع الغرب قال نحن لا نجاور أوربا في السودان ولا ندخل أنفسنا معها في مقارنات كما يفعل العرب الواقعين على البحر المتوسط.المقارنة ليست حاضرة في أذهاننا.
**************************
2
لكن السودان حاضر في الأذهان الأوربية حيث ان أبحاث الانثروبروجي في الغرب تأسست وبدأت بدراسات عن القبائل البدائية في جنوب السودان حسب زعمهم وبدأت بالقبائل الاستوائية وامتدت إلى القبائل النيلية وشمت بعد ذلك القبائل في شمال السودان والسودان حاضر بقوة في أقسام علم
الاجتماع في الغرب.
********************************
3
قدم المفكر الكيني على المزروعي محاضرة في الخرطوم وقال إن قدر جنوب السودان هو أن يكون في وسط حضاري وثقافي مسلم بكينا وتنزانيا وأوغندا والسودان الشمالي وان الثقافة الإسلامية ثقافة رافعة تستطيع أن تدمج من يدخل في الإسلام مع بقيه المسلمين.
********************************
4
تروج في كثير من الدوائر الإسلامية إن إفريقيا قارة مسلمة وان لا أصالة فيها للمسيحية إلا في كنيستين هما الكنسية القطبية المصرية والكنسية الأرثوذكسية الحبشية ماعدا لذلك بقيه الكنائس وافده ومجلوبة مع الاستعمار الأوربي لإفريقيا
********************************
5
ويظهر اثر الاستعمار جليا في محاولة نزع إفريقيا من الإسلام وتمزيق ولاؤها من خلال التفريق بين إفريقيا جنوب الصحراء وإفريقيا شمال الصحراء حيث بهذا التقسيم إفريقيا شمال الصحراء مسلمة وعربية وإفريقيا جنوب الصحراء هي افريقية بعضها مسلم وبعضها وثني وبعضها مسيحي وهي اما فرانكوفونية او انجلوساكسونية
والصحراء الكبرى بهذا التقسيم هي عامل عزل وفصل ثابت بين الأقوام بينما هي في الواقع وعلى مر التاريخ هي عامل وصل وتلاقح وتواصل وهي صحراء مسلمة أيضا
********************************
6
القول بان في إفريقيا كنيستان شرعيتين وان البقية هي صنيعة استعمارية هو قول استعدائي له ما بعده

7

في محاضرة لبروفسور يوسف فضل تحدث أن أول من أطلق لفظ سوداني لتشمل جميع السودانيين هو حمزة المك طمبل في مقالاته الأدب السوداني وما يجب أن يكون عليه مطلع الخمسينات من القرن الماضي وان الاستعمار الانجليزي كان يفرق بين السودانيين ذوي الأصول العربية ويسميهم الأهالي والسودانيين ذوي الأصول الإفريقية ويخصهم باسم السودانيين.
ويقدم ملاحظة مهمة أيضا في محاضرته عن أن الفور والفونج في السودان هم الذين قاموا بنشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية في السودان.
ويستخدم نفس هذه الملاحظة نائب الرئيس على عثمان محمد طه في حوار أخير على قناة النيل الأزرق عند سؤاله عن احتمال انفصال دارفور والنيل الأزرق مثلما انفصل الجنوب.

8
فرانسيس دينق في كتابه السودان تعدد الرؤى وصراع الهويات يقول أن في السودان هويتان هوية عربية إسلامية مدعاة وهوية افريقية وثنية افريقية أو افريقية مسيحية وان الهوية العربية الإسلامية المدعاة تحاول فرض إرادتها على الهوية الإفريقية وتقوم بقهرها والتسلط عليها
9

كل من تكلم العربية فهو عربي مقابل أقوام العروبة عندهم هي عروبة دم لا مكان فيها لعروبة اللسان فقط وبناءا عليها يجري ترتيب الناس وإنزالهم في مراتب لمكانة العرب في الإسلام.
10

يقال أن جزء من صراع الهوية في السودان هو من شغب اليسار السوداني وصراعاته حيث أن اليسار السوداني انقسم الى عروبيون وافريقانيون وصبغوا الصراع السياسي بصبغتهم الثقافية ورؤاهم فزادوا من تعقيد الأوضاع

11
ان كثير من التنظيمات الجهوية والاقليمية ظهرت بعد ثورة اكتوبر 1964م
مثل تنظيم جبهة نهضة دارفور ومؤتمر البجا وكذلك وقبلها ظهرت انيانيا ون في مطلع الخمسينات وكل مطالب هذه الحركات في ذلك التاريخ المبكر من استقلال السودان هي التنمية ومحاربة التهميش في توزيع الخدمات.

12
حديث ياسر عرمان وتشبيه لقرنق بالمهاتما غاندي وتضحيات غاندي من اجل بناء أمة هندية متحدة في شبه القارة الهندية والتنازلات التى حاول يقنع بها قادة المؤتمر الهندي لإثناء محمد جناح عن فكرته في الانفصال عن الهند وبناء وطن مستقل للمسلمين في باكستان دون ذكر للفلسفة والأسباب المقنعة التي دعت لقيام وطن مستقل للمسلمين.
13
الصادق المهدي يرجع بعض من أسباب الصراع بين الشمال والجنوب إلى تنافس بين تخبتين شمالية عربية اللسان إسلامية الديانة
والثانية مسيحية الديانة كنسيه وغربية الثقافة

14
عودة مرة أخرى الى فرانيسيس دينق وكتابه تعدد الرؤى وصراع الهويات الذي يعيد تقييم اتفاقية أديس أبابا فيه حيث يذكر أنها عالجت قضية الهوية والتهميش واعتبرتها قضية تنمية ولم تتطرق إلى الجانب الدستوري فيها وانها بذلك كانت اتفاقية معيبة مما سهل نقضها والتنصل منها.
وهذا ماتم معالجته في اتفاقية نيفاشا حيث تم تضمينها في الدستور الانتقالي لنيفاشا
15
"دا جنا فيل لوربوا وكبر ممكن يبقى فيل كبير"
خطاب سلفاكير لاهالي النيل الازرق عن المشورة الشعبية المضمنة في اتفاقية نيفاشا وفي الدستور الانتقالي للمناطق جبال النوبة والنيل الازرق.
16
إن انفصال جنوب السودان عن السودان يمثل سقوط فكرة الدولة القومية ودولة ما بعد الاستعمار المؤورثة عن الاستعمار ولابد من النظر والبحث عن عقد اجتماعي ودستوري ورابط وجداني وثقافي بين بقيه الأقوام المكونة للسودان
17
من خلال العرض السابق الهوية هي تركيب معقد من مكونات دينية وعقدية وعرقية وثقافية ومادية وتاريخية وهي في حالة صيرورة دائمة ومستمرة.

18
هل يمكن إعادة هندسة الهوية من اجل بناء امة ذات شان ؟وماهي السياسات المطلوبة؟
من حيث ان الهوية هي في حالة صيرورة دائمة وتشكل أمكن إعادة هندستها وفق الرؤية والتصور المطلوب بسياسات ثقافية وسياسية واقتصادية ونظام حكم.
19
في السودان تنافست قوتان في الثلاث عقود الأخيرة من اجل إعادة هندسة الهوية السودانية الأولى هي الحركة الإسلامية السودانية من خلال مشروعها الحضاري والثانية الحركة الشعبية من خلال رؤيتها للسودان الجديد.
حكمت الحركة الإسلامية ممثلة في واجهتها المؤتمر الوطني السودان طوال 22 عاما وهدفت لإعادة هندسة وصياغة الهوية السودانية وفق تصورها المسبق ومازالت حاكمة للسودان حتى بعد انفصال جنوبه عن شماله.
وتحكم الحركة الشعبية جنوب السودان منذ اتفاقية نيفاشا للسلام وحتى الآن بعد استقلال الجنوب وتكوين دولة مستقلة وسعت خلال سبعة سنوات ومازلت تسعى لإعادة هندسة الهوية الجنوبية وفق رؤيتها للسودان الجديد.
20
لكن هل يجوز صب الشعوب في قوالب جاهزة وفق تصورات النخب دون ارادة منها الم تفشل الايدولوجيا الشيوعية في إعادة هندسة هوية الشعوب في روسيا والاتحاد السوفيتي والم تفشل ايدولوجيا البعث في العراق وسورية
21
لكن سؤال هندسة الهويات هذا مرتبط بالحكم وإدارة الشعوب حيث أن كل من يتولى مقاليد الحكم سيتوجب عليه إعداد رؤية لمستقبل الشعب الذي يحكمه وما هي رؤيته لتحقيق أهداف الشعب وتطلعاته.

********************************************************
هل قدر السودان ان يعيش نزاع الهوية وتقلبها وان يشقى بها؟